المرأة والدبلوماسية.. نضال يواجه أرقاماً صادمة وتطلعات إلى قرارات أممية واعدة
المرأة والدبلوماسية.. نضال يواجه أرقاماً صادمة وتطلعات إلى قرارات أممية واعدة
شهدت المناقشات الحقوقية الأممية حول تمثيل المرأة في السلك الدبلوماسي تطورًا بارزًا تمثل في اعتماد قرار جديد غير مسبوق، ينص على ضرورة مشاركة المرأة بشكل كامل، متساوٍ، ملموس وآمن في المجال الدبلوماسي.
ويُعد هذا القرار، وفقًا لخبراء في حقوق المرأة تحدثوا إلى "جسور بوست"، "خطوة تاريخية نحو دبلوماسية أكثر شمولاً وتوازنًا"، حيث أكد الخبراء أن تعزيز التمثيل العادل للمرأة، خاصة في الدبلوماسية العربية، يتطلب إجراءات ملموسة، أبرزها دعم حكومي مباشر، وتغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تعوق انخراط النساء في بعض المجالات، إلى جانب تخصيص حصص نسائية داخل المؤسسات الدبلوماسية.
وفيما يتعلق بمستقبل القرار، شدد الخبراء على أن "نجاحه يعتمد على تطبيقه الفعلي والجاد في مختلف الدول وعلى المستوى الدولي"، مؤكدين أنه "في حال تنفيذه بشكل مدروس، قد يُحدث تحولًا ملموسًا في تحقيق المساواة بين الجنسين في المناصب الدبلوماسية خلال المستقبل القريب"، وأعرب أحدهم عن أمله في أن تكون الأمينة العامة المقبلة للأمم المتحدة امرأة.
تكريم الدبلوماسيات
منذ عام 2022، تحتفل الأمم المتحدة يوم 24 يونيو من كل عام باليوم الدولي للمرأة في العمل الدبلوماسي، تقديرًا لإنجازاتها وإسهاماتها في هذا المجال، وتأكيدًا على ضرورة تعزيز دورها في الساحة الدولية.
وفي خطوة مهمة، قدّم السفير المغربي عمر زنيبر، الممثل الدائم للمغرب في جنيف، مشروع قرار لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول دور النساء في الدبلوماسية، ودفاعهن عن حقوق الإنسان، وذلك خلال الدورة الـ58 للمجلس. وقد حظي القرار بدعم واسع واعتمد بالإجماع.
وقاد المغرب هذه المبادرة بدعم من مجموعة إقليمية ضمّت كلًا من تشيلي، إسبانيا، المالديف، موريشيوس، المكسيك، وسلوفينيا، وسلطت الضوء على ضعف تمثيل النساء في السلك الدبلوماسي والمحافل متعددة الأطراف، رغم الالتزامات الدولية المتكررة في هذا الصدد.
ويشير القرار إلى أن النساء يشغلن فقط 21% من مناصب السفراء عالميًا، وأقل من 10% من المفاوضين في عمليات السلام. كما لم تتجاوز نسبة النساء القائدات في المنظمات متعددة الأطراف 13%، ولم تتقلد أي امرأة -حتى الآن- منصب الأمين العام للأمم المتحدة.
ووفق بيانات للأمم المتحدة، فإن "الدبلوماسية كانت، تاريخيًا، حكرًا على الرجال، رغم أن النساء لعبن أدوارًا حاسمة على مرّ العصور، إلا أن إسهاماتهن غالبًا ما تم تجاهلها".
وبين عامي 1992 و2019، لم تتعدّ نسبة النساء المشاركات في عمليات السلام عالميًا 13% كمفاوضات، و6% كوسيطات، و6% كموقعات على الاتفاقات. ويؤكد التقرير أن تحقيق المساواة وتمكين المرأة والفتيات يمثل ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ورغم أن 143 دولة حول العالم ضمنت المساواة في دساتيرها حتى عام 2014، لا تزال 52 دولة في انتظار إقرار هذا الالتزام.
وبحسب مؤشر "المرأة في الدبلوماسية 2024"، الصادر عن أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية في أبوظبي في فبراير الماضي، فإن النساء يشغلن 21% فقط من المناصب الدبلوماسية كسفيرات، رغم وجودهن في 193 دولة حول العالم، وتشير هذه الأرقام إلى ضرورة تكثيف الجهود لتمكين المرأة وتعزيز حضورها في العمل الدبلوماسي، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية.
تحديات مستمرة
ورغم التقدم النسبي في تمثيل المرأة في المجال الدبلوماسي عالميًا، إلا أن الأرقام الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة تكشف عن فجوة كبيرة ما تزال قائمة، واعتبارًا من يناير 2023، تشغل 34 امرأة فقط منصب رئيس دولة أو حكومة في 31 دولة. وبين خمس عمليات سلام قادتها الأمم المتحدة أو شاركت في قيادتها خلال عام 2021، قادت النساء اثنتين فقط منها كوسيطات.
وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تُعد أكبر اجتماع سنوي عالمي لزعماء العالم، لم تُنتخب سوى أربع نساء لرئاستها على مدار 77 عامًا.
أما في مجلس الأمن المؤلف من 15 عضوًا، فلا يزيد تمثيل النساء عن الثلث. وفيما يتعلق بوزارات الدفاع حول العالم، لا تتجاوز نسبة النساء 12%، في حين تشير الدراسات إلى أن الدول ذات التمثيل النسائي الأعلى في السلطتين التشريعية والتنفيذية تميل إلى تقليل الإنفاق الدفاعي وزيادة الإنفاق الاجتماعي.
وتشير الأرقام الأممية إلى أن النساء كنّ أربعة فقط من بين 850 مندوبًا وقّعوا على ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، رغم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تم اعتماده عام 1948 جاء بقيادة امرأة، هي إليانور روزفلت، وكان بمنزلة إعلان عالمي للمساواة بين الجنسين.
وفي كلمة لها بمناسبة اليوم الدولي للمرأة في العمل الدبلوماسي عام 2023، أكدت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، أن "العمل الدبلوماسي لا يزال معقلًا للرجال على مستوى العالم".
وأشارت إلى أن "السلطات الدبلوماسية العليا ما زالت في الغالب في أيدي الرجال، كما أن الصور الجماعية لممثلي مجموعة السبع (G7) ومجموعة العشرين (G20) تهيمن عليها وجوه ذكورية، وغالبًا ما تتكوّن اللجان الدبلوماسية من رجال فقط".
وأضافت أن النساء يشغلن منصب رئيس دولة أو حكومة في 28 بلدًا فقط، منها 16 امرأة رئيسة دولة (10.6% من الدول) و16 امرأة رئيسة حكومة (8.3%). وعلى المستوى الوزاري، لا تتجاوز نسبة الوزيرات في الشؤون الخارجية 25%، فيما لا تشغل النساء سوى 26.5% من المقاعد البرلمانية عالميًا".
ودعت أمينة محمد إلى "تفكيك الحواجز الهيكلية التي تحول دون مشاركة المرأة على قدم المساواة"، مؤكدة أن "تحقيق تمثيل نسائي عادل وكامل يقربنا من بناء مجتمع أكثر عدالة وشمولًا واستدامة، يعكس أهدافنا المشتركة للتنمية والمستقبل المنشود".
خطوة تاريخية
من جانبها، وصفت المحامية والحقوقية انتصار السعيد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، القرار الأممي الأخير بشأن تعزيز دور المرأة في الدبلوماسية بـ"الخطوة التاريخية".
ووصفت انتصار في تصريح لـ"جسور بوست" تمثيل المرأة في المجال الدبلوماسي بـ"القضية المحورية" التي تعكس التحديات التي لا تزال تواجه النساء في المجال العام، رغم كل الجهود المبذولة لتحقيق المساواة.
وأضافت أن المرأة لا تزال تمثل "نسبة ضئيلة جدًا في المناصب القيادية بالسلك الدبلوماسي، ما يعكس عمق عدم المساواة الهيكلية التي تعانيها النساء حول العالم".
وأوضحت السعيد، أن القرار الأممي يعكس "الوعي المتزايد بضرورة تعزيز دور المرأة في السياسة والدبلوماسية"، مشيرة إلى أنه "يمثل خطوة ضرورية نحو دبلوماسية أكثر شمولية وتوازنًا، وينبغي أن يُترجم إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع".
وترى الحقوقية المصرية أن تمكين المرأة في العمل الدبلوماسي داخل العالم العربي يتطلب خطة متكاملة، تبدأ من التعليم والتدريب، عبر إتاحة الفرص للنساء لاكتساب المهارات اللازمة للانخراط في هذا المجال، وصولًا إلى تشجيعهن على السعي نحو المناصب القيادية.
وشددت على ضرورة "تغيير الأنماط الاجتماعية"، خاصة في المجتمعات التي لا تزال متمسكة بعادات وتقاليد تقيد مشاركة النساء في بعض القطاعات، مؤكدة أن هذا التغيير لا بد من أن يشمل "الأسرة والمجتمع معًا لتوجيه الدعم لدور المرأة الفعّال في الحياة العامة".
وأكدت الحقوقية انتصار السعيد ضرورة إصدار وتنفيذ إجراءات حكومية داعمة لتمكين المرأة في المجال الدبلوماسي، مشيرة إلى أن "على الحكومات أن تتبنى سياسات واضحة لتعزيز التوازن بين الجنسين في المناصب القيادية، من خلال ضمان وجود نسائي فعّال في المناصب العليا، إلى جانب تخصيص حصص نسائية في العمل الدبلوماسي".
وأشارت إلى أهمية تمكين النساء من القواعد المحلية وحتى المستويات الدولية، لافتة إلى أن "الخطوة الأولى تتمثل في تعزيز وجود المرأة في المناصب الحكومية المحلية، التي تُعد نقطة انطلاق نحو مشاركة أوسع في الحقل الدبلوماسي الدولي".
الأفق والمستقبل
وحول مستقبل القرار الأممي الأخير، ترى انتصار السعيد أن "هذا القرار لن يكون نهاية المطاف، بل يمثل بداية لمسار متصاعد من الجهود الدولية الداعمة لزيادة تمثيل المرأة في السلك الدبلوماسي"، مضيفة: "من المتوقع أن تتبعه خطوات أخرى، تشمل تطوير قوانين وتشريعات وممارسات مؤسسية، تسهم في تحسين التمثيل النسائي على المدى الطويل".
وحذرت في الوقت نفسه من أن نجاح القرار سيظل رهينًا بمدى جدية التطبيق، قائلة: "إذا لم يتم تطبيقه على نحو فعّال ومدروس، فقد لا يحقق الأثر المنشود. أما إذا نُفذ بجدية، فقد يشكل تحولًا ملموسًا في تحقيق المساواة بين الجنسين في المناصب الدبلوماسية في المستقبل القريب".
واختتمت تصريحاتها بالتأكيد على أن "دعم هذا القرار وتنفيذه على نطاق واسع يمكن أن يُحدث نقلة نوعية، ويقودنا إلى مرحلة جديدة من الدبلوماسية الشاملة والمتوازنة".
التطبيق وليس البيانات
من جانبها، عبرت الدكتورة هدى بدران، المفكرة النسوية ورائدة الحركة النسوية في مصر، عن وجهة نظر نقدية تجاه الواقع الحالي لتمثيل المرأة دبلوماسيًا.
وقالت هدى بدران في حديثها لـ"جسور بوست": "رغم بعض التقدم، فإن عدد النساء في المناصب الدبلوماسية ما زال غير كافٍ. دور المرأة في دعم الدبلوماسية لا يقتصر فقط على السفيرات، بل يشمل أيضًا زوجات السفراء، اللواتي يؤدين دورًا غير معلن، ولكنه مهم في صياغة العلاقات الدولية".
وأشارت بدران إلى أن ضعف التمثيل لا يقتصر على الدول، بل يشمل حتى الأمم المتحدة نفسها، وهي الجهة الداعية لتعزيز دور المرأة، معتبرة أن "المنظمة مطالبة بالبدء بنفسها إذا كانت جادة في التغيير"، معربة عن أملها في أن "تشغل امرأة منصب الأمين العام للأمم المتحدة في المستقبل القريب".
ورغم ترحيبها بالقرار الأممي، فإن بدران ترى أن "النية شيء، والتطبيق شيء آخر"، وقالت: "منذ أول مؤتمر دولي للمرأة عام 1975، ونحن نسمع عن أمنيات وخطط جميلة، لكن يبقى السؤال: ماذا تحقق منها فعليًا؟".
وحذّرت من أن تطبيق مثل هذه القرارات قد لا يكون قريبًا، خاصة في ظل ما وصفته بـ"الوضع الدولي المعقد"، ما قد يُضعف فرص التحوّل الفعلي على أرض الواقع.